الثلاثاء، 6 فبراير 2018





إنها لعنة الحرب التي قذفتني لأحيا في موطن آخر كسجينة 
إنها فريضة الموت التي دفعتني لأختبئ داخل براثين رجل كعاشقة 
إنها سلعة الحياة التي صورتني امرأة محررة وأنا أشدّ من رهينة 
بدأت بالهروب من جحيم الموت الى جحيم الظلمة , أحمل بين ذراعيّ طفلا" لم يكمل السنتين بعد وفي داخل أحشائي جنين يخوض معركة البقاء وعيناي لا تكفّ عن النظر من أمامي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي نحو أولادي السبعة الذين يركضون متمسكين بطرف ثوبي نحو مستقبل مجهول الهوية . 
لقد سبقتنا سيارة الإسعاف وهي تنقل زوجي المصاب الذي لا أعلم مدى إصابته فقد كان خارج المنزل حين هطلت علينا القذائف كالأمطار وجاءني الخبر لأهمّ بالرحيل وراءه , لقد بقي ثلاثون قدم للأمام ونستقلّ القافلة التي ستمضي بنا نحو مصيرنا المحتوم تدافقنا نحو القافلة وأنا أعدّ أطفالي وأنادي بأسمائهم واحدا" تلو الآخر , وارتمينا كخراف بعضنا فوق بعض شاخصة أعيننا نحو الأمام ,,, كنّا أضعف من أن نلقي بنظرة وداع لوطن هو هويتنا خوفا" من مناظر الهاربين اللاهثين خلف قافلتنا يريدون التشبث بها وأصوات بكائهم الممزوج بالخوف يخرق مسامعنا ....
إبتعدنا عن الوطن , رحلنا عن حياتنا تاركين للحرب بيوتنا وأشياءنا تلتهمها على مهل . ها قد وصلنا لا نعرف أين , وصوت يقول " حمدا" لله على سلامتكم جميعا" " , هممنا بالنزول وتوجه نحونا من سبقونا واستقروا هنا في خيم تغطي عوراتهم بضع الشيء , عندها تركت أولادي مع عائلة تشبهنا ورحت أسأل عن المشافي القريبة بحثا" عن زوجي المصاب ,, إنه هنا , لكن عليّ أن أنتظر أمام باب المشفى الكثير من الوقت فالعديد من الناس بانتظار موعدهم ليطمئنوا على ذوي أقربائهم ومعارفهم المصابين , حان وقت الزيارة ودخلت لأرى زوجي مكبلا" بأسلاك شائكة لم أفهم منها شيء إلى أن أتت نحوي ممرضة لتقول لي أنه بحالة خطرة وقد يتعرض للموت بأيّة لحظة . 
خرجت من المشفى متوجهة نحو الأمن المخصص بشؤننا وقد كنت محظوظة عن غيري فأنا قد جهزت أوراقنا الثبوتية ووضعتها في محفظتي تحسبا" لأيّ طارئ ومع هذه الأوراق سأُمنح منزلا" يؤييني  وستُقدم لي المساعدات الضرورية . 
لكم تمنيت مسبقا" أن أزور هذا البلد , بلد الثقافة , بلد الجمال , لكني لاجئة ولست زائرة , اليوم أكره وجودي هنا كما أكره نظرات الناس لي ,,, 
أمضيت أياما" وأنا أقيس الطريق بين منزلي الجديد والمشفى التي يرقد بها زوجي إلى أن جاءني خبر استشهاده , لقد رحل زوجي بعد أن أورثني ثمانية أولاد وجنين يطالب بحقه في الحياة , أصبحت إمرأة أرملة وأم ليتامى وكأنه لا يكفي أن أحيا كلاجئة بعيدة عن الوطن والأهل لتسلب مني الحياة والد أبنائي ,, كيف سأواجه كل هذا لوحدي ؟ 
إرتديت ثوب الحداد وقبعت في المنزل لا أبرح منه ولا أريد أن أرى أحد  
مضت الشهور وأنا مقوقعة داخل أحزاني وكدت أنسى أني حامل وأني على وشك الولادة , فاضطررت للخروج . رحت أسأل المارة عن أي جهة مسؤولة تساعدني في تحضير مستلزماتي للولادة , ومن جهة مسؤولة الى جهة أخرى ومن إمضاء مسؤول الى إمضاء آخر , أخيرا" انتهت تلك المعاملة ودخلت المشفى في الوقت المحدود . 
ها قد أتى للحياة مولود جديد كُتب عليه اليتم قبل أن يرى نور الحياة , ضممته الى صدري ورحت أشهق بالبكاء وأنا لا أعلم هل أبكي عليه أم أبكي عليّ . 
عدت الى المنزل ومولودي وحيدة لم يكن أحد ينتظرني سوى أبنائي الثمانية ورجل يقف جانبا" , حدّق بي بنظرة ابتسامة وهو يقول حمدا" لله على سلامتك , ورسمت على وجهي ابتسامة كاذبة ودون أن أرد عليه بكلمة , اكتفيت بهزّ راسي ودخلت ..... 
لم يعد هناك وقت للحزن فالعديد من المهمات تتوجب عليّ , فبالرغم من وجود المساعدات لكنها لن تأتيك وأنت قابع في منزلك عليك أن تمضي أن تسأل أن تلّح بالمسألة والشيء الأهم أن أقدّم شهادة وفاة زوجي . 
كنت تائهة مضطربة لا أعلم أي وجهة أقصد , وتذكرت ابتسامة ذاك الرجل فرحت أنظر بوجوه من حولي ربما أجده ربما أتعثر به هنا أوهناك , لا أدري لم أبحث عنه فقط كنت أشعر أني بحاجة لأحد . 
ها هو يجلس أمام دكانه " دكان بقالة " وقبل أن أقترب منه دنا هو مني قائلا" : هل من مساعدة سيدتي ؟ 
لقد هوّن عليّ مذلة المسألة وشجعني للبوح بما يضيق به صدري , وأحضر لي سائق سيارة وطلب منه بعد أن أعطاه الأجرة أن يأخذني للمشفى لأحضر شهادة الوفاة ثم أقدمها للجهات المختصة . 
في اليوم التالي قلت في نفسي يجب أن أشكره وحقا" توجهت نحوه مصطحبة ابني الأكبر , قدمت له التحية وشكرته على معروفه وهو يردد : هذا واجب عليّ سيدتي ,, ثم طلب مني مترجيا" ألا أحرمه من تقديم أيّ مساعدة لي ووعدني أن ينظر بشأن أولادي اليتامى فهناك جمعيات تعنى بهم وتقدم لهم كل ما يحتاجونه من مأكل وملبس وتعليم , ودون أن يشعرني بالإحراج أعطى ولدي كيسا" مملوءا" بالخضار الطازجة وهو يقول بالصحة والهناء . 
لم يرسلني مع سائق هذه المرة , بل ترك أحدا" مكان عمله وأخذني هو بنفسه , واستطعت أن أُدخل خمسة من أبنائي في مدرسة داخلية فهي لا تعترف بأكثر من ذلك لأسرة واحدة وتركت معي إبني وابنتي الأكبر والطفلين الأصغر وراح يواسيني على أنه سيبحث عن أي عمل يناسب ابني الكبير ليتعلمه وهكذا حصل .... 

توالت الأيام وأنا مع كل يوم أختلق الأسباب لأمرّ من أمام بقالته أُلقي عليه التحية لأسمع منه " أهلا" سيدتي " إلى أن جاء يوم وأنا أرسل ناظريّ نحوه فوجدته مع امرأة يجلسان , يتحدثان , يشربان القهوة سويا" ,,, أكملت طريقي وكأني لا أعرفه ورحت أتساءل , يا ترى من تكون تلك المرأة التي يشاركها قهوته ؟! لكن ما يهمني أنا ,, ولم أنا حشرية هكذا ,,, فلتكن من تكون ,,, لكنني أشعر بالحزن ,, لا ليس الأمر يعنيني بشيء ,,,
وبعد بضع من الزمن عاودته وقد رحلت تلك المرأة فدخلت إليه مسرعة ودون أن ألقي التحية سألته من تكون تلك المرأة؟ وأغمد سهم جوابه في أذني : إنها زوجتي يا سيدتي ,,, خرجت مسرعة أواري عيناي التي غمرتهما الدموع .
وبعد أن ظننت الحياة قد ابتسمت لي وتأملت بواقع ينسيني واقعي .. إنه متزوج ,, لكن لم أنا كئيبة هكذا , هو لم يعدني بشيء , لم يفعل معي شيء سوى تقديم المساعدة . جلست فوق فراشي أتذكر أني أرملة ورحت أحدّق في عيون أولادي اليتامى وأحسست بالشوق لبقية أبنائي الذين يقطنون المدرسة الداخلية وأحسست بالحنين للوطن وأحسست بالغربة . بقيت على مكوثي هذا ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع جاء هو ليتفقد سبب غيابي , لم أستطع استقباله في المنزل فأنا امرأة وحيدة وهو لم يستأذن للدخول واكتفى بالسؤال عن أحوالي وأخذ مني موعدا" لمقابلته خارجا" .....

لم أعارض الأمر , إرتديت ثوبي وخرجت متوجهة إليه فوجدته بانتظاري في سيارته وركبت معه دون أن أسأله إلى أين . 
أمام بيت محايد , أوقف سيارته وأمسك بيدي ومضى بي الى ذاك البيت وكأنه يسوقني برغم عنّي مع إذن بالموافقة , أقفل باب المنزل وأصبحنا أنا وهو لا أحد سوى أنا وهو ,,, " سيدتي " قالها لي فاستسلمت اليه وارتميت بين أحضانه أقتصي منه ما اشتهيت وأعطيه أكثر .. 
أهو الحب , أهو الحاجة , أم الشهوة ,, لست أدري , هو الرجل المتزوج من امرأة غيري ولم يفكر للحظة في الزواج مني فهو لن يهدم أسرته بعد بناء سنين وأنا المرأة المحتاجة لرجل محتاجة اليه , لا أستطيع أن أتخيل الحياة دونه ولم أستطع أن أتمالك نفسي أكثر ,, وربما أحظى بغيره , بالكثير من الرجال لكنهم كأمثاله يرودونني عشيقة مجرد عشيقة , فأنا امرأة أرملة وأم لتسعة أيتام ولا أملك ذاك الجمال الأخاذ ولا أملك شيء ,,,
ماذا أفعل ؟ هل أتركه وأعود الى رشدي ؟؟ لكن كيف سأحيا بهذا البلد الغريب وأيّ مساعدة ستصلني إن لم أدفع لها الثمن مسبقا" , لذا سأبقى معه , فأنا لا أملك إلا أن أكون عشيقته أفضل من أن أبيع جسدي لمن يشتري أكثر ,,,,,,,,,,,,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق