حين تمر في طرقات لبنان وتشاهد تلك الجموع من الناس وتسمع هتافاتهم المناشدة بالحرية وترى يافطات رُفعت فوق رؤوسهم تطالب بالمساواة ونزع الطائفية وشعارات ترفض استخدام السلطة لمصالحها الشخصية , يتراءى اليك بأنه شعب يثور على الحكام , وأنه يحيا حياة عقيمة , محكوم عليه من سلطة فاسدة ملأته آمالا" كاذبة . وكأنه نسي أنه هو من أتى بهؤلاء الحكام , وهو من أقرّ لهم كل ما هو مخالف للمبادئ التي يلوحون بها...
لطالما تساءلت , كيف لبلد العز والكرامة أن يرضى بهذا الكم من الكذب والخداع , ومتى يثور ليبتلع كل من فيه , نعم فالكل مسؤول هنا عن ما آلت اليه الأحداث , نحن ندعي الثورة , لكن على من ثائرون وكل منا ينتمي لطائفة معينة أو الى حزب معين يسانده بعصبية الجاهلية ويعينه على البقاء والصمود , ثم نرفع شعارات رافضة للطوائف والأحزاب وما نحن الا رافضين الآخر , نحن لا نريد التغيير ولا نسعى اليه , فكل ثوراتنا كذب وكل ادعاءاتنا هراء .
علينا أن نعي جيدا" حقيقة ما نحن فيه , فمتى أدركنا أن خياراتنا هي السبب , ومتى خلعنا عباءة العصبية العمياء وجعلنا جلّ همنا الإنتماء للوطن عندها حتما" ستتحقق مطالبنا .
قبل موعد الانتخابات , وحين كنت أمرّ بشوارع طرابلس لشراء بعض الحاجيات , صادفت جماعة من الناس ترفع رايات الولاء لمنتخب تعاقب نجاحه على مرّ السنوات , ولمحت بين المتواجدين رجل أعرفه جيدا" وأعرف رفضه القاطع لهؤلاء الساسة المتخاذلون في شؤون بلادهم فدنوت منه لأسأله ما سبب وجوده بينهم ومن اين له كل هذا التغيير ؟! إلا أنه فاجأني بصراخه وشتمه للحياة , فهو لم ولن يصدق أقوال أحد من السياسيين أنفسهم إغير أنه لا يصدق ثورة مزعومة لانتشالهم لبرّ الأمان , ولذا هو يمثل الوفاء والولاء لهؤلاء , مقابل أشياء وأشياء , فمن سيُدخل ابنه المشفى في حالة مرضه مثلا , ومن سيقدم له الهبات حين لا يجد قوتا" مع ضائقة الأحوال ,,, وما الذي سيجنيه من معارضته غير الركون على حافة الوطن دون عمل , دون شيء سوى شعارات تطالب بحياة لا نور لها ولا آمال ......
إذا" نحن ننتخب حكامنا ونجلسهم على كرسي الأمر ونقدم لهم الولاء ثم نعارض آراءهم ونمنع عزلهم والمسّ بعظمتهم , فمتى نستفيق من جهلنا ونثور على أفكارنا ونفك أسر عقولنا ونحرر مبادئنا من عبوديتها ونرقى للخلاص .
ومن جانب آخر, فإن تعمقت بالداخل اللبناني لوجدت بينهم من يصارع كل من يحاول التعدي على الحكام , يستصرخون الظلم ثم يقاتلون كل من يحاول انقاذهم , فلا تكترث لما يقولون من هتافات كاذبة ولا تصدق شعاراتهم المخادعة , ثم انتظر قليلا وترقب موعد انتخاباتهم الآتية , ولسوف تجدهم عادوا كما كانوا من قبل وكأن شعاراتهم كانت كمثل حليمة - رجعت حليمة لعادتها القديمة- حينها ينقسم الشعب الى فرق وتتغير شكل يافطاتهم لتنادي بحكامهم أنفسهم وتعود شعائرهم ترسم أمجاد وبطولات سيدهم , فهذا الشعب اعتاد على الإبتزاز الإنتخابي وينتظره على أحرّ من الجمر ويتناسى بلحظة كل ما مرّ عليه خلال سنوات عهد منتخبيه . هكذا هو شعب لبنان وكأنه فُطر على التعصب الأعمى والتبرك من الحكام فهو أشبه بالفراش الذي يحوم حول النار مستأنسا" بها ومتخايلا" بالقرب من عظمتها وهي تبعث بشرارتها لتقتل كل من يجرؤ الركون مكانها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق